فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن معنى الآية فإن كنّ نساء اثنتين فما فوقهما إلا أنه قدم ذكر الفوق على الاثنتين كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسافر المرأة سفرًا فوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها».
فإن معناه لا تسافر سفرًا ثلاثة أيام فما فوقها، وإلى ذلك ذهب من قال: إن أقل الجمع اثنان، واعترض على ابن عباس رضي الله تعالى عنه بأنه لو استفيد من قوله سبحانه: {فَوْقَ اثنتين} أن حال الاثنتين ليس حال الجماعة بناءًا على مفهوم الصفة فهو معارض بأنه يستفاد من واحدة أن حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم العدد وقد قيل به، وأجيب بالفرق بينهما فإن النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكد به صار محكمًا في التخصيص بخلاف {وَإِن كَانَتْ واحدة} وأورد عليه بأن هذا إنما يتم على تقدير كون الظرف صفة مؤكدة لا خبرًا بعد خبر، وأجيب بأن قوله سبحانه: {نِسَاء} ظاهر في كونها فوق اثنتين فعدم الاكتفاء به والإتيان بخبر بعده يدل دلالة صريحة على أن الحكم مقيد به لا يتجاوزه، وأيضًا مما ينصر الحبر أن الدليلين لما تعارضا دار أمر البنتين بين الثلثين والنصف، والمتيقن هو النصف، والزائد مشكوك غير ثابت، فتعين المصير إليه، ولا يخفى أن الحديث الصحيح الذي سلف يهدم أمر التمسك بمثل هذه العرى، ولعله لم يبلغه رضي الله تعالى عنه ذلك كما قيل فقال ما قال، وفي شرح الينبوع نقلًا عن الشريف شمس الدين الأرموني أنه قال في شرح فرائض الوسيط: صح رجوع ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن ذلك فصار إجماعًا؛ وعليه فيحتمل أنه بلغه الحديث، أو أنه أمعن النظر في الآية ففهم منها ما عليه الجمهور فرجع إلى وفاقهم.
وحكاية النظام عنه رضي الله تعالى عنه في كتاب [النكت] أنه قال: للبنتين نصف وقيراط لأن للواحدة النصف ولما فوق الاثنتين الثلثين فينبغي أن يكون للبنتين ما بينهما مما لا تكاد تصح فافهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال القاضي أبو يعلى: إنما نص على ما فوق الاثنتين، والواحدة، ولم ينص على الاثنتين، لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث، كان لها مع الأنثى الثلث أولى. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن كُنَّ نِسَاء} الضمير للأولاد مطلقًا والخبر مفيد بلا تأويل، ولزوم تغليب الإناث على الذكور لا يضر لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له، ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات التي في ضمن مطلق الأولاد، والمعنى فإن كانت المولودات أو البنات نساءًا خلصًا ليس معهن ذكر، وبهذا يفيد الحمل وإلا لاتحد الاسم والخبر فلا يفيد على أن قوله تعالى: {فَوْقَ اثنتين} إذا جعل صفة لنساء فهو محل الفائدة، وأوجب ذلك أبو حيان فلم يجز ما أجازه غير واحد من كونه خبرًا ثانيًا ظنًا منه عدم إفادة الحمل حينئذٍ وهو من بعض الظن كما علمت، وجوز الزمخشري أن تكون كان تامة، والضمير مبهم مفسر بالمنصوب على أنه تمييز ولم يرتضه النحاة لأن كان ليست من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرًا يفسره ما بعده لاختصاصه بباب نعم، والتنازع كما قاله الشهاب والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية، وفائدة ذكر ذلك التصريح بعدم اختصاص المراد بعدد دون عدد أي فإن كن نساء زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن. اهـ.

.قال الفخر:

المعنى إن كانت البنات أو المولودات نساء خلصا ليس معهن ابن، وقوله: {فَوْقَ اثنتين} يجوز أن يكون خبرا ثانيا لكان، وأن يكون صفة لقوله: {نِسَاء} أي نساء زائدات على اثنتين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} الآية.
فرض الله تعالى للواحدة النّصفَ، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين، ولم يفرض للثنتين فرضا منصوصًا في كتابه؛ فتكلم العلماء في الدّليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل: الإجماع وهو مردود؛ لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ لأن الله عز وجل قال: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وهذا شرط وجزاء.
قال: فلا أعطي البنتين الثلثين.
وقيل: أعطيتا الثلثين بالقياس على الأختين؛ فإن الله سبحانه لما قال في آخر السورة: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وقال تعالى: {فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فألحقت الابنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين وألحقت الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين.
واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الأخوات، والإجماع منعقد عليه فهو مسلم بذلك.
وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث إذا انفردت، علمنا أن للاثنتين الثلثين.
احتج بهذه الحجة، وقال هذه المقالة إسماعيل القاضي وأبو العباس المبرّد.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لأن الاختلاف في البنتين وليس في الواحدة.
فيقول مخالفه: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف؛ فهذا دليل على أن هذا فرضهم.
وقيل: فوق زائدة أي إن كن نساء اثنتين.
كقوله تعالى: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} [الانفال: 12] أي الأعناق.
وردّ هذا القول النحاس وابن عطية وقالا: هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.
قال ابن عطية: ولأن قوله تعالى: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} هو الفصيح وليست فوق زائدة بل هي مُحْكِمَةٌ للمعنى لأنّ ضربة العنق إنما يجبْ أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدّماغ.
كما قال دريد بن الصمة: أخفض عن الدّماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال.
وأقوى الاحتجاج في أن للبنتين الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول.
ولغة أهل الحجاز وبني أسد الثلث والرُبع إلى العُشر.
ولغة بني تميم وربيعة الثلث بإسكان اللام إلى العشْر.
ويقال: ثلثتُ القوم أثلثهم، وثلثتُ الدارهم أثلثِها إذا تمَّمتها ثلاثة، وأثلثتْ هي؛ إلا أنهم قالوا في المائة والألف: أمأيتها وآلفتها وأمأت وآلفت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فإن كن نساء فوق اثنتين} إلخ معاد الضمير هو لفظ الأولاد، وهو جمع ولد فهو غير مؤنّث اللفظ ولا المدلول لأنّه صالح للمذكّر والمؤنث، فلمّا كان ما صدَقُه هُنا النساء خاصّة أعيد عليه الضمير بالتأنيث.
ومعنى: {فوق اثنتين} أكثر من اثنتين، ومن معاني {فوق} الزيادة في العدد، وأصل ذلك مجاز، ثم شاع حتّى صار كالحقيقة، والآية صريحة في أنّ الثلثين لا يعطيان إلاّ للبنات الثلاث فصاعدًا لأنّ تقسيم الأنصباء لا يُنتقل فيه من مقدار إلى مقدار أزيدَ منه إلاّ عند انتهاء من يستحقّ المقدار الأول.
والوصف بـ {فوق اثنتين} يفيد مفهوما وهو أنّ البنتين لا تعطيان الثلثين، وزاد فقال: {وإن كانت واحدة فلها النصف} فبقي ميراث البنتين المنفردتين غير منصوص في الآية فألحقهما الجمهور بالثلاث لأنّهما أكثر من واحدة، وأحسن ما وجِّه به ذلك ما قاله القاضي إسماعيل بن إسحاق إذا كانت البنت تأخذ مع أخيها إذا انفرد الثلث فأحرى أن تأخذ الثلثَ مع أختها يعني أنّ كلّ واحدة من البنتين هي مقارنة لأختها الأخرى فلا يكون حظّها مع أخت أنثى أقلّ من حظّها مع أخ ذكر، فإنّ الذكر أولى بتوفير نصيبه، وقد تلقّفه المحقّقون من بعده، وربما نسب لبعض الذين تلقّفوه.
وعلَّله ووَجَّهه آخرون: بأنّ الله جعل للأختين عند انفرادهما الثلثين فلا تكون البنتان أقلّ منهما.
وقال ابن عباس: للبنتين النصف كالبنت الواحدة، وكأنّه لم ير لتوريثهما أكثر من التشريك في النصف محمَلا في الآية، ولو أريد ذلك لما قال: {فوق اثنتين}.
ومنهم من جعل لفظ {فوق} زائدًا، ونظّره بقوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12].
وشتَّان بين فوق التي مع أسماء العدد وفوق التي بمعنى مكان الفعل.
قال ابن عطية: وقد أجمع الناس في الأمصار والأعصار على أنّ للبنتين الثلثين، أي وهذا الإجماع مستند لسنّة عرفوها.
وردّ القرطبي دعوى الإجماع بأنّ ابن عباس صحّ عنه أنّه أعطى البنتين النصف.
قلت: لعلّ الإجماع انعقد بعدما أعطى ابن عباس البنتين النصف على أنّ اختلال الإجماع لمخالفة واحد مختلف فيه، أمّا حديث امرأة سعد بن الربيع المتقدّم فلا يصلح للفصل في هذا الخلاف، لأنّ في روايته اختلافا هل ترك بنتين أو ثلاثًا.
وقوله: {فلهن} أعيد الضمير إلى نساء، والمراد ما يصدق بالمرأتين تغليبا للجمع على المثنى اعتمادا على القرينة. اهـ.

.قال ابن عطية:

واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتصي أنها جمع، وذكر المفسرون أن العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية، كما قال تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] وكقوله في آية الخصم {إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا} [ص: 21، 22] وكقوله: {وأطراف النهار} [طه: 130] واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان.
وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك، إذ معك في الأولى- يحكمان- وفي الثانية- إن هذا أخي، وأيضًا فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم، وقد يتسور مع الخصم وغيرهما فهم جماعة، وأما {النهار} في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع، ولا يحمل على التثنية، لأن اللفظ مالك للمعنى وللبنية حق، وذكر بعض من احتج لقول عبد الله بن عباس: أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد، كبناء الإفراد وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد فلا يصح أن يدخل هذا على هذا. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ نافع {واحدة} بالرفع، والباقون بالنصب، أما الرفع فعلى كان التامة، والاختيار النصب لأن التي قبلها لها خبر منصوب وهو قوله: {فَإِن كُنَّ نِسَاء} والتقدير: فإن كان المتروكات أو الوارثات نساء فكذا ههنا، التقدير: وإن كانت المتروكة واحدة، وقرأ زيد بن علي: النصف، بضم النون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف} قرأ نافع وأهل المدينة وَاحِدَةٌ بالرفع على معنى وقعت وحدثت، فهي كان التامّة؛ كما قال الشاعر:
إذا كان الشتاء فأدْفِئُوني ** فإن الشيخ يُهرمه الشِّتاءُ

والباقون بالنصب.
قال النحاس: وهذه قراءة حسنة.
أي وإن كانت المتروكة أو المولودة واحدة مثل {فَإِن كُنَّ نِسَاءً}.
فإذا كان مع بنات الصلب بنات ابن، وكان بنات الصلب اثنتين فصاعدا حجبن بنات الابن أن يرثن بالفرض؛ لأنه لا مدخل لبنات الابن أن يرثن بالفرض في غير الثلثين.
فإن كانت بنت الصلب واحدة فإن ابنة الابن أو بنات الابن يرثن مع بنات الصلب تكمله: الثلثين؛ لأنه فرض يرثه البنتان فما زاد.
وبنات الابن يقمن مقام البنات عند عدمهن.